بقلم: سفيان معطسيم
إن الحديث عن الفاعل الجمعوي الناجح يقتضي سردا لصفات واجبة التوفر، حتى يكون الفاعل نموذجيا. أول هذه الصفات أن يتميز الفاعل الجمعوي بأنه مبدع للأفكار طموح و يحذوه التفاؤل دائما، خلوق بشوش لا يعاند و لا يستفز، منظم في علاقاته، مؤمن أشد الإيمان بالمشروع الذي ينتمي إليه و مدافع عنه، لكنه في ذات الآن مرن و يغير من استراتيجياته في سبيل غايته، بل إنه لا يتوانى عن قبول المشورة و النقد من غيره، يخطط يتواصل يراجع حساباته، يصرف أفعاله بضمير المتكلمين “نحن” أكثر من ضمير المتكلم “أنا” …
كثيرا ما تضيع المجهودات بسبب كلام الناس و كثرة الإشاعات و الاتهامات التي يتعرض لها الفاعل الجمعوي ثم لا يكون لها أي أساس من الصحة غالبا، لذا يجب على الفاعل الجمعوي ألا يلتفت لهذه الاتهامات، و في ذات الآن يجب أن يعتز بالعمل الذي يقوم به و يتابع طريقه و يحاول ما أمكن صم الآذان و تشمير السواعد.
ثم إنه يجب على الجمعوي الجاد تحقيق أفضل الممكن من التواصل و التحدث مع الناس و الانفتاح عليهم و نشر الفاعلية و الروح الإيجابية بينهم و في صفوفهم، حتى يصنع حواليه رأيا عاما محليا داعما و متقبلا لمبادئه و أفكاره بل و متفاعلا مع مبادراته.
و من الممكن جدا أن يعمل الجمعوي على تسويق رؤيته و فكره، لكن الأهم هو أن يستمع و ينصت لاقتراحات و أفكار الآخرين، و يوظفها ما أمكن في تجديد مشروعه الجمعوي و جعله أقرب لطموحات الناس و أكثر استجابة لمشاغلهم.
و نرى أنه من المفيد الإشارة إلى ان أي عمل مبدع و ناجح هو في ذات الآن مستفز و يخلق حوله الكثير من المخالفين و المتحاملين، لكنه لا يلبث أن ينتصر، و يكون من عوامل ذلك قدرة هذا العمل على الاستجابة لحاجيات كثير من الفئات المجتمعية، و تحقيقه لإضافة نوعية متخصصة..
والفاعل الجمعوي مطالب بمعرفة و استيعاب القوانين و الأنظمة الجاري بها العمل في ميدان العمل الجمعوي و في تخصصه، حيث إن هذه الثقافة القانونية و التنظيمية تساعده على القيام بمهامه بكامل الأريحية و دون ضغط و دون مضيعة للوقت، فهي تجعل الجمعوي عارفا بما يريد تحقيقه و بالمساطر الواجب اتباعها في سبيل تحقيق غايته دون التصادم مع أحد، ثم إن بناء قدر من الثقة مع السلطات الإدارية مطلوب لما تحققه من سهولة و يسر في التواصل و الإنجاز.
و في علاقة الجمعوي بالسلطات المنتخبة، يجب التزام قدر كبير من الحيادية و في ذات الوقت عدم التردد في تحقيق قدر من التواصل و التجاوب أحيانا مع مبادرات هذه السلطات، فتجربتنا تؤكد أن السلطات المنتخبة هي في الأساس هيئات سياسية تصرف برامجها عبر الآلية العمومية، فهي بالتأكيد ستسعى لتعزيز تواجدها و تحقيق المزيد من المكتسبات لدى الرأي العام المحلي بما يضمن لها أصواتا انتخابية أكثر. هذا الهدف في حد ذاته ليس عيبا و لا غير مشروع بل هو مطلوب من هذه الهيئات، لكن الفاعل الجمعوي يجب أن يسعى لما هو أكثر و أنفع و أبقى، يسعى للاستفادة من موارد الجماعات المحلية بما يخدم ساكنة هذه الجماعات نفسها، لكن بما رؤية أكبر و دون تركيز على تحقيق مكاسب معينة، فالجمعوي يساعد الآخرين و لا ينتظر من أحد أجرا و لا ثوابا.
إن الفاعل الجمعوي هو قبل كل شيء إنسان، له اهتمامات.. له مواقف .. له انتماء.. له طموح.. الفرق بينه و بين أي إنسان آخر أنه يهتم للشأن العام و يفكر من أجل مجتمعه.
و هو غالبا من يدفع به طموحه و حركيته للانتماء إلى عالم السياسة أو النضال النقابي، هنا وجب التذكير بضرورة تحقيق التمايز المطلق بين العملين، لاعتبارات قانونية أساسا ثم لاعتبارات الطبيعة المتناقضة للعمل السياسي و النقابي مع الفعل الجمعوي.
فالمطلوب من الفاعل الجمعوي و هو يمارس عمله التجرد من ذاتيته و اخلاص الانتماء للمصلحة العامة، فلا تكون كل أعماله و انجازاته بغرض ذاتي سياسي أو نقابي ..
و في ذات الوقت، لا يجوز أن يصرف أجندته السياسية في النشاط الجمعوي الذي ينفذه عبر جمعيته