في عالم يزداد اضطراباً وتتعاظم فيه التهديدات الأمنية العابرة للحدود، يبرز المغرب كاستثناء لافت، حيث نجح في بناء منظومة استخباراتية متكاملة تشكل نموذجاً في الكفاءة والفعالية والسيادة. تقرير حديث صادر عن معهد البحث والملاحظة والمعرفة النقدية “روك” (R.O.C.K)، المتخصص في الدراسات الجيوسياسية والأمنية، سلّط الضوء على هذا التفوق، واضعاً مقارنة استراتيجية بين ركيزتي الأمن المغربي: المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST) بقيادة السيد عبد اللطيف الحموشي، والمديرية العامة للدراسات والمستندات (DGED) بقيادة السيد محمد ياسين المنصوري.
⚪ حماية الداخل… وإحباط التهديدات قبل وقوعها
أفاد التقرير بأن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني رسخت موقعها كخط دفاع أول ضد الإرهاب والجريمة المنظمة، عبر عمليات استباقية أجهضت عشرات المخططات الإرهابية المرتبطة بتنظيمات مثل “داعش” و”القاعدة”. هذه النجاحات لم تقتصر على حماية التراب الوطني، بل امتدت لتشمل تزويد أجهزة أمن أوروبية بمعلومات منقذة للأرواح، في إطار شراكات دولية قائمة على الثقة والمسؤولية المشتركة.
تعتمد DGST على مزيج متوازن بين الاستخبارات البشرية (HUMINT) والتكنولوجيا المتطورة، خصوصاً في مجالات مكافحة التطرف الرقمي، وتعقب شبكات التهريب والهجرة غير النظامية، مع انخراط كامل في مقاربة وقائية واستباقية تضمن تحييد المخاطر قبل أن تتحول إلى وقائع مهددة.
⚪ العمل الخارجي… والدبلوماسية الاستخباراتية
في المقابل، تظل المديرية العامة للدراسات والمستندات ذراع المغرب الاستراتيجي خارج الحدود، حيث تضطلع بجمع المعلومات الاستخباراتية في الخارج، ومكافحة التجسس، والمساهمة في حماية المصالح الحيوية للمملكة، بما في ذلك الموانئ، وقطاع الطاقة المتجددة، ومشاريع البنية التحتية الكبرى.
كما أبرز التقرير الدور المحوري لـ DGED في دعم الأمن الإقليمي، خصوصاً في منطقة الساحل الإفريقي، عبر توفير معلومات دقيقة ساعدت شركاء دوليين على تفكيك شبكات إرهابية، فضلاً عن مساهمتها في ملفات دبلوماسية حساسة، وعلى رأسها القضية الوطنية الأولى – الصحراء المغربية، من خلال الجمع بين الخبرة الميدانية و”الدبلوماسية الناعمة” التي تعزز المواقف المغربية في المحافل الدولية.
⚪ تكامل استراتيجي تحت القيادة الملكية
يؤكد تقرير “روك” أن التكامل بين المؤسستين يمنح المغرب منظومة أمنية شاملة: تحصين الجبهة الداخلية ورصد التهديدات مبكراً عبر DGST، وحماية المصالح الحيوية خارج الحدود عبر DGED، في تناغم مع مؤسسات أخرى داعمة كـ شعبة الاستعلامات العامة، والمديرية الوطنية لأمن النظم المعلوماتية، والهيئة الوطنية لمعالجة المعلومات المالية.
ويقع هذا التنسيق الاستراتيجي تحت القيادة المباشرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، بما يضمن انسجام المقاربة الأمنية مع الرؤية المولوية الشريفة القائمة على ثلاث ركائز:
1. الإصلاحات القانونية التي توفر إطاراً واضحاً وشفافاً لعمل الأجهزة.
2. التحديث التقني لمواكبة ثورة الذكاء الاصطناعي ومتطلبات الأمن السيبراني.
3. الانفتاح الدولي المحسوب مع الحفاظ على القرار السيادي للمملكة.
⚪ الأمن ركيزة للتنمية والسيادة
لا يرى المغرب في الأمن مجرد أداة للحماية، بل يعتبره شرطاً أساسياً للتنمية، وحصناً يحافظ على الاستقرار الذي يمكّن من تنفيذ المشاريع الاستراتيجية، داخلياً وخارجياً. هذا النهج يتماشى مع النموذج التنموي الجديد، الذي يضع الإنسان في قلب السياسات العمومية، ويعتبر الأمن بيئة حاضنة للاستثمار، وحامية لحقوق الأفراد والجماعات على حد سواء.
وفي زمن “التهديدات الهجينة” التي تتقاطع فيها المخاطر الإرهابية مع الجريمة المنظمة، والهجمات السيبرانية، والحروب الإعلامية، يظل المغرب – بفضل يقظة أجهزته وكفاءة موارده البشرية – نموذجاً في القدرة على الجمع بين الحزم الميداني والمرونة الاستراتيجية، وبين الانفتاح على العالم والتشبث بالسيادة الوطنية.
ختاماً، يبرز التقرير أن النجاح الاستخباراتي المغربي ليس وليد الصدفة، بل نتيجة رؤية ملكية بعيدة المدى، وعمل مؤسساتي منسق، وإيمان راسخ بأن السيادة الحقيقية تبدأ من السيادة الأمنية.