بقلم مروة بنونة
يوسف التبالي، طبيب متدرب شق طريقًا مميزًا في مجال صناعة المحتوى، واختار منصة البودكاست لتكون صوته وقناته للتعبير عن رؤيته للحياة والأمل والعمل في المغرب. لم تكن فكرة “الحلم المغربي” وليدة تخطيط مسبق بقدر ما كانت انعكاسًا لتجربة شخصية، وشغف بالمحتوى الجيد، وتأثرًا بعدد من البودكاستات الأجنبية التي لطالما تابعها. أراد أن يصنع شيئًا مشابها، لكن بروح مغربية خالصة. ولأنه يؤمن أن المغرب أيضًا أرض أحلام، فقد اختار أن يحمل مشروعه هذا الاسم، اقتباسًا من “الحلم الأمريكي”، لكن بصيغة تحترم السياق المحلي وتخاطب الشباب بلغتهم وبواقعية لا تبيع الأوهام.
رغم أن مساره الأكاديمي في الطب يُدرّس باللغة الفرنسية، إلا أن التبالي اختار العربية والدارجة المغربية لغةً لبرنامجه. هذا القرار لم يكن صدفة، بل جاء انطلاقًا من قناعة عميقة بأن المحتوى يجب أن يحمل هوية صاحبه، وأن الجمهور المستهدف لا يحتاج لخطاب عالمي بقدر ما يحتاج لصوت محلي يشبهه. لم يكن الهدف من “الحلم المغربي” الوصول إلى جمهور دولي، بل مخاطبة المغاربة بلغتهم وقضاياهم، مع احترام تام للهوية والثقافة المحلية. يرى يوسف أن المحتوى الصادق والقريب من الناس هو ما يصنع الفرق، وليس فقط الجودة التقنية أو الإنتاج الضخم.
أما عن تمكنه من اللغة العربية، فيعترف بتواضع أنه لا يراها نقطة قوته الأساسية، خصوصًا وأنه لم يتلقَّ تكوينًا معمقًا فيها بسبب توجهه العلمي. ومع ذلك، سعى دائمًا للاجتهاد في التعبير، خاصة في الحلقات التي تتطلب إيصال رسالة واضحة وعميقة إلى جمهور واسع. ويبدو أن هذا الجهد كان مثمرًا، بالنظر إلى التفاعل الكبير الذي تحصده حلقات برنامجه.
في بداياته، لم يكن التبالي يعتمد معايير واضحة لاختيار الضيوف، بل كان يعطي الكلمة لكل من يحمل قصة. لاحقًا، أصبح أكثر انتقائية، أولًا عبر استضافة شخصيات معروفة لتوسيع الانتشار، ثم تحول تركيزه نحو الضيوف الذين يمتلكون قصص نجاح واقعية، يمكن أن تضيف للمحتوى معنى، وللمستمع دافعًا حقيقيًا للسعي والعمل. يؤمن التبالي بأن لكل شخص قصة تستحق أن تُروى، لكن ما يهمه اليوم أكثر هو أن تكون تلك القصة مفيدة، وقادرة على إلهام الآخرين بصدق.
تطور البودكاست من الحديث فقط عن الإيجابيات إلى طرح مقاربة أكثر توازنًا، حيث أصبح يعكس واقع الحياة في المغرب كما هو، دون تزيين مفرط أو خطاب وردي. يقر يوسف أن نضجه الشخصي وتجربته المتراكمة جعلاه يبتعد عن فكرة بيع الوهم، ويركز على تقديم رسائل تحفّز على الحلم، نعم، ولكن من منطلق واقعي يفهم التحديات ويحترم السياق. الحلم، حسب منطقه، لا يعني تجاهل العراقيل، بل مواجهتها بعقلانية، والإيمان بالإمكانيات الكامنة داخل كل شخص.
وبالرغم من خلفيته الطبية، لم يحصر نفسه في المحتوى الصحي فقط. بل يرى أن الطبيب، خاصة في عصرنا، يجب أن يكون منفتحًا على باقي المجالات، ملمًّا بقضايا مجتمعه، وفاعلًا فيه. لاحقًا، أطلق بودكاستًا متخصصًا في الطب بعنوان “جوج طبا”، ليجمع بين تخصصه العلمي وشغفه الإعلامي، دون أن يتخلى عن مشروعه الأساسي “الحلم المغربي”.
يعترف يوسف أن الطريق ليست مفروشة بالورود. فصناعة المحتوى في المغرب، خاصة الصوتي، لا تزال تعاني من قلة الدعم، وضعف السوق الإعلانية، والتركيز الكبير على الصورة على حساب الصوت. رغم توفر الأدوات، يظل الجانب المادي أكبر التحديات، إذ أن الاستمرارية في هذا المجال تتطلب مجهودًا هائلًا في ظل محدودية العائدات. ومع ذلك، يواصل التبالي مشواره بإصرار، مؤمنًا بأن الرسالة الأهم يجب أن تصل، ولو بصوت بسيط.
واحدة من أكثر الحلقات التي أثرت فيه كانت مع مدير شركة إشهارية ناجحة، عبّر خلالها الضيف عن شعوره بأنه لم يُحقق شيئًا يُذكر رغم كل ما أنجزه. بالنسبة ليوسف، كانت تلك اللحظة فاصلة، خاصة أنه كان في بداياته، وكانت الشهرة قد بدأت تدق بابه. علّمته تلك الجلسة الكثير عن التواضع، وعن قيمة العمل بصمت.
ينظر يوسف إلى المستقبل بعين متفائلة، لكنه لا يغفل عن التحديات. يرى أن “الحلم المغربي” مشروع قابل للتطور، لا كمنصة رقمية فقط، بل كحدث ميداني يجوب المدن المغربية، يلتقي بالناس، ويخاطبهم بلغتهم، من داخل واقعهم. كما يطمح إلى أن يواصل الإنتاج في مجاله الطبي، المجال الذي يعرفه عن قرب، ويشعر أنه قادر على المساهمة فيه.
الحلم، بالنسبة ليوسف التبالي، ليس ترفًا ولا خيالًا، بل اختيار. اختيار أن تؤمن بنفسك، وببلدك، وأن تشتغل على حلمك بصبر وواقعية، دون أن تنطفئ جذوة الأمل داخلك.