“الجامعة في قلب العاصفة: الاتهام بدل الإصلاح”

عالي Brigui شأنكم21 مايو 2025Last Update : 4 أسابيع ago
عالي Brigui شأنكم
رأي خاص
“الجامعة في قلب العاصفة: الاتهام بدل الإصلاح”

في خضم الجدل الذي أثارته فضيحة بيع شواهد الماستر بجامعة ابن زهر، لم تعد المشكلة مقتصرة فقط على تفاصيل الواقعة أو المتورطين المباشرين فيها، بل امتدت إلى المناخ العام الذي تشكل حولها. أصبح النقاش محاطًا بشحنة عالية من التوتر، وشيئًا فشيئًا، بدأ الكثيرون يتفادون الحديث عن الموضوع. ليس لأنهم غير معنيين، بل لأن التهمة أصبحت جاهزة ومعلّبة: إن تحدثت بحذر فأنت متورط، وإن حاولت الدفاع عن صورة الجامعة كإطار عام فأنت مستفيد، وإن طالبت بالعدالة دون ضجيج فأنت بالتأكيد تحاول التغطية على شيء.

وسط هذا المناخ، أصبح الاتهام نفسه وسيلة لإسكات الآخر، بدل أن يكون وسيلة لطلب الحقيقة. أشخاص يتهمون آخرين فقط لأنهم لم ينخرطوا في موجة الإدانة الجماعية، وآخرون يوجهون التهمة لمجرد أن أحدهم نشر تدوينة عادية لا تساير الغضب العام. لم يعد هناك مجال للتمييز بين من يستفيد فعلًا من الفساد، ومن يملك فقط رأيًا مخالفًا للسائد. بهذا الشكل، تحوّل النقاش إلى مساحة ضيقة، خانقة، تفرض على الكثيرين أن يلتزموا الصمت حماية لأنفسهم.

ما يحدث يُظهر بوضوح ملامح ما تصفه نظريات الاتصال بـ”دوامة الصمت”، وهي الحالة التي يفضّل فيها الأفراد إخفاء آرائهم خشية النبذ أو الهجوم، خاصة إذا شعروا أن رأيهم يختلف عن الرأي الغالب. في حالة ابن زهر، ساد نوع من الرأي الجمعي الذي لا يقبل الاختلاف: لا حياد، لا تحليل هادئ، لا دفاع عن مؤسسة التعليم العمومي. فقط الاتهام، أو التهمة المضادة، ولا شيء بينهما.

هذا ما يجعلنا في لحظة دقيقة: لحظة لا نناقش فيها الفساد فحسب، بل نناقش أيضًا الطريقة التي نواجه بها الفساد. لأننا حين نخوّن كل من يختلف معنا، فإننا نعيد إنتاج نفس منطق الإقصاء الذي نلومه في منظومة التعليم والسياسة والإدارة. وعوض أن نفتح بابًا لإصلاح عميق، نغلق أبواب النقاش، وندفع الناس نحو الصمت، ونحو التظاهر بالموافقة، فقط ليُعفوا من التهمة.

إن فضيحة ابن زهر امتحان للعدالة، نعم، لكنها أيضًا امتحان لقدرتنا كمجتمع على النقاش، على احترام التعدد في الرأي، وعلى التمييز بين المساءلة والتشهير، بين الغضب المشروع والتعبئة العمياء. لأننا إن خسرنا هذا الامتحان، فستكون الفضيحة قد ضربت الجامعة مرتين: مرة حين بِيعت
فيها الشواهد، ومرة حين صمت فيها العقل.
بقلم مروة بنونةimg 1747844401753 - شأنكم Tv

خبار عاجل

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...لمعرفة المزيد

موافق