بقلم : استاذة وإعلامية جليلة بنونة
عبارة أصبحت تتردد يوميا على ألسنة الشباب العاطلين والموظفين والعمال: “ما بقا ما يدار في المغرب، بغينا نخرجوا ونقلبو على روسنا” كأن الهجرة أصبحت الحلم المشترك لجيل كامل . الأرقام الأخيرة تؤكد هذا التحول الخطير حيث يفكر أكثر من نصف الشباب المغاربة جديا في مغادرة البلاد ، حتى إذا تطلب الأمر اللجوء إلى طرق غير قانونية.
فهل نحن أمام ظاهرة اجتماعية استثنائية و عابرة ، أم نزيف صامت يهدد مستقبل الوطن؟
من أبرز الأسباب التي تدفع الشباب للتفكير في الهجرة هو فقدان الأمل وانعدام فرص العيش الكريم . لم تعد الهجرة مرتبطة بالفقر وحده بل هناك عوامل اجتماعية واقتصادية تتمثل في ارتفاع الأسعار ، ضعف الأجور ونقص فرص الشغل. حتى التعليم الذي كان يوما ما متنفسا وحافزا للأمل ، أصبح يشكل عائقا أمام الشباب الباحثين عن وظيفة . فالتسقيف الذي فرضته وزارة التربية والتعليم الأولي والرياضة في أقل من ثلاثين سنة جعل الكثير من حاملي الإجازة يجدون أنفسهم عالقين بين سنوات الدراسة الطويلة ومتطلبات سوق الشغل غير الواقعية . كيف يعقل أن شابا حاصلا على الإجازة أو الماستر يجد أبواب الوظائف مغلقة أمامه بسبب سنه بينما تبقى فرص العمل متاحة لمن تجاوزوا سن الثلاثين أو حتى الخامسة والأربعين في بعض القطاعات الأخرى.
إذا كانت الجامعة قادرة على صناعة كفاءات علمية من أجل تحقيق مستقبل مستقر . مثل الشاب الذي درس وتخرج وبحث عن عمل لسنوات بلا جدوى ، أكيد سيجد في أوروبا نافذة للنجاة . وفي هذا الصدد يختلف الطالب المغربي عن نظيره في بلدان أخرى مثل إسبانيا أو فرنسا ، حيث قد يسافر الشباب لتجربة مغامرة أو تعلم لغة ، ويملكون خيار العودة إلى وطنهم. أما في المغرب فالهجرة غالبا ما تعني الهروب من واقع لا يطاق ، والعودة تكون زائرا فقط وكأن الأرض التي أنجبته لم تعد قادرة على احتضانه.
هذه الهجرة ليست مجرد انتقال أفراد من بلد إلى آخر ، بل هي نزيف جماعي يشمل هجرة الأدمغة أيضا. أطباء ومهندسون وباحثون يتركون البلاد بعد أن استثمرت الدولة في تعليمهم وتكوينهم ، تاركين وظائفهم بحثا عن تحقيق حلم مؤجل ، وتركوا خلفهم فراغا في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والبحث العلمي.
الهجرة بهذا الشكل تخلق أسرا ممزقة وأطفالا يكبرون بلا آباء، وقرى تتحول إلى فضاءات يسكنها الشيوخ فقط ، مما يضع سؤالا حادا حول قدرة البلاد على التقدم في ظل رحيل شبابها وإبداعها.
الهجرة ليست قدرا محتوما بل يمكن أن تتحول إلى خيار حر إذا توفرت الشروط الاقتصادية والاجتماعية . على الدولة خلق فرص عمل حقيقية للشباب من خلال اقتصاد منتج ، وتشجيع المقاولات الصغرى عبر قروض تحفيزية ، مع تحديث التعليم ليواكب العصر ويصنع كفاءات ، وفتح مناصب تتلائم مع مختلف التخصصات . هذا من شأنه أن يجدد الثقة بين الدولة والمواطن ويعزز ثقافة الاعتراف بالشباب كمحرك أساسي للتغيير والتنمية.
جيل كامل اليوم يصرخ بصوت واحد: “نريد حياة كريمة هنا قبل هناك” فهل من يسمع هذا الصوت من المسؤولين قبل أن يتحول إلى رحيل جماعي بلا عودة؟