بمناسبة عيد العرش المجيد:
نداء وطني من أجل إصلاح عميق يُرسّخ استقلالية القضاء ويُطهّر الإدارة من الفساد
الرباط – 29 يوليوز 2025
بقلم : رئيس تحرير ماروك بريس
بمناسبة عيد العرش المجيد، يسرّني، بصفتي رئيسًا ومديرًا لتحرير عدد من المنصات الإعلامية الوطنية، أن أتقدّم بأصدق التهاني وأخلص مشاعر الولاء والوفاء إلى السدة العالية بالله، صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وإلى ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، سائلاً الله تعالى أن يحفظ جلالته ويُسدّد خطاه، وأن يديم على المملكة المغربية نعمة الأمن والاستقرار.
إن عيد العرش لا يمثّل مجرّد ذكرى وطنية، بل هو لحظة رمزية كثيفة الدلالة، تؤكّد مرة بعد مرة ذلك الارتباط العميق والحيّ بين مؤسسة الملكية والشعب المغربي، وتُعيد إلى الواجهة جوهر العقد السياسي الذي تأسست عليه الدولة الوطنية الحديثة في المغرب، حيث تشكّل المؤسسة الملكية حجر الزاوية في صون الاستقرار، وضمان الاستمرارية، وتوجيه التحولات البنيوية الكبرى التي تمسّ البنية الاجتماعية والمؤسساتية للبلاد.
وبينما نخلّد هذه الذكرى الغالية التي تتزامن مع لحظة سياسية دقيقة يتقاطع فيها مسار الإصلاح المؤسساتي مع تحولات عميقة في بنية الدولة والمجتمع، نرى من واجبنا، ومن موقعنا المهني والمدني، أن نرفع نداءً وطنيًا هادئًا، عقلانيًا، وصادقًا إلى جلالة الملك، باعتباره الضامن الأسمى لحرمة القضاء، وحامي مسار الإصلاح والتحديث، نداءً يستمد مشروعيته لا من أي نزعة شعبوية أو مزايدة خطابية، بل من حرصٍ عميق على كرامة المواطن، ومناعة الدولة، ومصداقية المؤسسات.
لقد توصلت منصتنا الإعلامية، من خلال تقارير ميدانية، وشهادات موثوقة، إلى معطيات دقيقة تُشير إلى تزايد مؤشرات القلق بخصوص تغوّل بعض مراكز النفوذ داخل جهاز العدالة، ومحاولات متكرّرة للتأثير على مسارات قضائية يُفترض أن تظل محصّنة ضد كل أشكال التدخّل السياسي أو الإداري أو المالي. كما برزت إلى السطح شكاوى متكرّرة من استعمالٍ انتقائي لبعض النصوص القانونية لتضييق مساحة التعبير الحرّ، ومعاقبة الصحفيين والنشطاء، وزرع مناخ من الترهيب الرمزي داخل مؤسسات من المفترض أن تكون حاضنة للثقة، لا مولّدة للريبة.
وإذا كانت بعض مظاهر الخلل تُعزى عادة إلى ضعف في التكوين أو اختلال في البنيات التحتية، فإن الأخطر هو حين تتحوّل ممارسات فاسدة إلى منظومات مقنّنة تُهدّد جوهر التعاقد بين الدولة والمجتمع، وتُقوّض مبدأ الشرعية، وتفتح المجال أمام منطق اللاعقاب، مما يعيد طرح سؤال جوهري:
هل تستطيع الدولة أن تحافظ على مصداقية خطابها الإصلاحي دون إصلاح جذري لمنظومة العدالة؟
ومن هذا المنطلق، نُعبّر عن قلقنا المشروع حيال استمرار تآكل الثقة في بعض المؤسسات، خصوصًا حين تتقاطع مع مؤشرات على تراجع استقلالية القضاء، وهو ما من شأنه أن يُضعف ليس فقط فعالية الدولة، بل يهدّد أيضًا شرعية مشروعها الحداثي ذاته.
واستنادًا إلى ما تقدّم، فإننا نُلتمس من جلالة الملك، بما له من صلاحيات دستورية واعتبار رمزي بصفته الضامن لحرية المواطن وكرامته، أن يتفضّل بإعطاء أوامره السامية باتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة، نوردها وفق منطق وظيفي لا شخصي، وبروح اقتراحية لا اتهامية:
1. إقالة وزير العدل، بالنظر إلى ما طاله من شبهات وانزلاقات تشكّل عبئًا على مصداقية الحكومة، وتُعمّق الإحساس العام بانفصال الخطاب الرسمي عن الواقع العملي داخل القطاع.
2. إطلاق مسطرة تحقيق مستقلة وشفافة تُعنى بالوقوف على حيثيات الشكاوى المرتبطة باستغلال النفوذ، والتدخل في مسارات القضايا الحساسة، مع نشر نتائجها للرأي العام كجزء من حق المواطنين في المعلومة.
3. مراجعة القوانين التي تُستخدم لأغراض تقييدية، لا سيما تلك التي تُستعمل لتأويل حرية التعبير على نحو يفضي إلى العقاب بدل الحماية، مع التأكيد على مركزية الصحافة كفاعل ديمقراطي ورقيب مدني حيوي.
إن المطالبة بهذه الخطوات لا تنبع من طوباوية سياسية أو نَفَس عدمي، بل من وعي تراكمي بأن دولة قوية، وعادلة، وذات مصداقية، لا يمكن أن تقوم على التساهل مع الانحراف، أو التسامح مع اختلال موازين العدل، أو غضّ الطرف عن ما يُقوّض سلطة القانون لصالح سلطة الأشخاص.
ختامًا، نرفع أكف الضراعة إلى العلي القدير أن يحفظ جلالة الملك، وأن يُعينه في حمل الأمانة الثقيلة التي تمثلها قيادة أمة تعتز بعمقها التاريخي، وتطمح لمكانة تليق بها في عالم مضطرب. كما نُجدد ولاءنا للدولة، إيمانًا منا بأن الإصلاح الحقيقي لا يكون ضدها، بل من داخلها، ومن أجلها، وبها.
عاش الملك.. عاش الوطن.. عاشت العدالة كركيزة لدولة المستقبل.