بقلم: جليلة بنونة
هذه ليست مجرد دمية تقليدية، بل كائن صغير بملامح هجينة بين البراءة والتشوه، بأسنان بارزة وابتسامة خبيثة تثير الحيرة أكثر مما تثير الإعجاب. ومع ذلك، نجحت في التسلل إلى قلوب ملايين الشباب والمراهقين، وتحولت إلى رمز ثقافي، لا لشيء سوى أنها ظهرت في يد نجمة الكيبوب(البوب الكوري) الشهيرة “ليسا”، عضو فرقة “بلاكبينك”Black pink و روجت لها بطريقة ذكية ضمن ما يعرف بـ”صناديق المفاجآت” بمعنى اقتناء الدمية دون معرفة لونها (Blind Box).
هذه الاستراتيجية لم تروج فقط للدمية، بل غذت لدى المستهلك رغبة جامحة في الاكتشاف والاقتناء، وأدخلته في دوامة استهلاك غير محسوبة.
وبعد أن لفتت الأنظار عالميا، وصلت موجة “لا بوبو” إلى المغرب أيضا، حيث رصد تداولها من طرف فئة من صانعي المحتوى المغاربة على إنستغرام وتيك توك، باعتبارها رمزا للغرابة والتفرد، وربما “الموضة”.
وهكذا، لم تعد الدمية محصورة في الأسواق الآسيوية أو منصات النجوم العالميين، بل أضحت جزءا من الترند المحلي أيضا، ولو بشكل محدود حتى الآن.
من الطبيعي أن تجذبنا أشياء طريفة أو غريبة، لكن المثير للاستغراب هو ذلك الانبهار الجماعي بكائن يذكر بالبعبع أكثر مما يذكر بدمية أطفال.
ملامح “لا بوبو” لا تستند إلى مقاييس جمالية متعارف عليها، بل تميل إلى العبث والتشويه المقصود. ورغم ذلك، أصبح ينظر إليها كرمز للأناقة والتميز.
هل تغيرت معايير الجمال إلى هذا الحد؟ هل صارت الغرابة مقصدا، والقبح واجهة جديدة “للستايل” العصري؟ أم أننا نعيش أزمة ذوق جماعي؟
وراء هذا التهافت الاستهلاكي، يقف اقتصاد جديد قائم على إعادة بيع الدمية بأسعار خيالية..بحيث تعرض اليوم في الأسواق بأسعار تصل إلى 1000 درهم مغربية أو أكثر، فقط لأنها أصبحت “نادرة” أو “رائجة” و الغير اصلية تصل إلى 300 درهم.
لكن التساؤل الجوهري يبقى:
ما القيمة الفنية أو الثقافية التي تبرر هذا السعر؟
ما الذي تحمله هذه الدمية من رسالة أو مضمون أو رمزية حقيقية؟
للأسف، الإجابة لا تتجاوز حدود “الموضة”، وكل ما هو “مؤثر بصريا”، حتى لو كان ذلك التأثير مبنيا على الخوف أو النفور.
قد تبدو هذه الظاهرة بسيطة للوهلة الأولى، لكنها تكشف عن هشاشة في المعايير المجتمعية، وعن استعداد غير محدود للانسياق وراء ما يسوق له، دون وعي أو تمحيص.
وفي هذا السياق، يبرز تساؤل عميق، تتجاوز أبعاده لعبة أو دمية:
كيف سيصمد هذا الجيل أمام الفتن الكبرى، إذا كان يتبع لعبة مخيفة فقط لأنها ظهرت مع مؤثر مشهور؟
السؤال يبدو دراميا، لكنه يعكس واقعا ثقافيا مقلقا. واقعا تسوده السطحية والتقليد والانبهار السريع بكل ما هو غريب، مهما افتقر للمعنى أو القيمة.
في نهاية المطاف، “لا بوبو” ليست سوى انعكاس لحالة يعيشها الإنسان المعاصر، حيث الذوق يعاد تشكيله بالإعلانات، والقيم تستبدل بالإعجابات، والهوية تختزل في قطعة بفرو غريبة.
نعم، من حق كل فرد أن يقتني ما يشاء، لكن من واجبنا أيضا أن نتساءل:
ماذا نستهلك؟ ولماذا؟
ومن يحدد لنا ما يستحق الإعجاب والاقتناء؟
حين نجيب بصدق، سنفهم أن المشكلة ليست في “لا بوبو”، بل فينا “نحن
“لا بوبو”… لعبة بريئة تتحول إلى مرآة مخيفة لذوقنا الجماعي
