تعيش جماعة بوسكورة على وقع ارتدادات قوية لتقارير رقابية خطيرة أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية والمجلس الأعلى للحسابات، والتي وصفتها مصادر مطلعة بـ”السوداء”، بالنظر إلى حجم التجاوزات التي تم رصدها، والتي تضع مستقبل رئيس الجماعة وعدد من نوابه والمسؤولين الإداريين على المحك، في انتظار تفعيل مسطرة العزل والمتابعة القضائية.
التفتيش يكشف المستور: خروقات جسيمة تهز جماعة بوسكورة
تقرير المفتشين الذين حلّوا بالجماعة بتعليمات من زينب العدوي، رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، وبتنسيق مع وزارة الداخلية، كشف عن وجود اختلالات خطيرة مست جماعة بوسكورة في مجالات حيوية أبرزها التعمير، تدبير الصفقات، المالية الجماعية، الرخص، والممتلكات. هذه الاختلالات لا تندرج فقط في خانة التجاوزات الإدارية، بل إن بعضها يحمل طابعاً جنائياً، وفق ما أكدته المعطيات المسربة من التقرير.
ووفق مصادر مطلعة، فإن من بين أبرز ما سُجّل في بوسكورة:
• تسليم رخص بناء على أراضٍ ناتجة عن تجزيء غير قانوني.
• منح شواهد إدارية لتسهيل تحفيظ وبيع عقارات غير قانونية.
• ربط مشاريع بشبكة الكهرباء دون توفرها على رخص السكن أو انتهاء الأشغال.
• توقيع شواهد تسليم مؤقتة لتجزئات عقارية دون استخلاص المستحقات القانونية.
• منح رخص دون أخذ رأي الوكالة الحضرية في مناطق محرمة البناء.
• استعمال غير قانوني لصلاحيات نواب الرئيس في ميدان التعمير دون تفويض رسمي.
بداية الإجراءات: سحب التفويضات وتوقيف منح الرخص
تفاعلاً مع هذه الخروقات، أصدر العامل السابق لعمالة النواصر تعليماته الفورية بسحب كل التفويضات من نواب الرئيس، وهو القرار الذي ووجه بمقاومة شرسة من طرف هؤلاء، باستثناء نائب الرئيس المكلف بالصفقات العمومية، الذي انسحب بهدوء. كما سُحب التفويض المتعلق برخص المحلات التجارية من إحدى النائبات المتهمة بشرعنة أنشطة عشوائية، ما أدى إلى توقيف منح رخص الربط بالكهرباء في خطوة تهدف إلى قطع الطريق أمام استمرار الفوضى التعميرية.
ضبط صارم ومراقبة مباشرة للرخص من طرف السلطة
باشرت السلطات الإقليمية إجراءات أكثر صرامة لضبط منح الرخص، حيث أصبحت كل الملفات تمر عبر قنوات رسمية خاضعة للمراقبة، خصوصاً في قطاع التعمير الذي سجل أعلى نسب الخروقات، في وقت تم فيه توقيف المسؤول الإداري الأول عن هذا القطاع بجماعة بوسكورة، بعدما ثبت تورطه في تمرير مشاريع غير قانونية بتواطؤ مع رئيس الجماعة.
إغلاق المحلات المخالفة وهدم المستودعات العشوائية
لم تكتف السلطات بسحب التفويضات وتجميد الرخص، بل شرعت أيضاً في تنفيذ قرارات ميدانية تمثلت في:
• إغلاق المحلات التجارية غير القانونية التي يملكها أعضاء بالمجلس الجماعي.
• هدم مستودعات عشوائية تابعة لبعض نواب الرئيس وأعضاء آخرين، وثّقتها كاميرات لجان التفتيش.
• مراجعة وضعية العقارات الجماعية التي شابها الاستغلال غير المشروع.
وزارة الداخلية تتحرك: لوائح العزل والمحاكمة أمام المحاكم الإدارية والجنائية
تأتي هذه التحركات في إطار حملة وطنية تقودها وزارة الداخلية تنفيذاً للتعليمات الملكية الصارمة بتفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”. وقد توصلت «الأخبار» من مصادرها أن وزارة الداخلية أعدت لائحة سوداء تضم 12 رئيس جماعة، سيتم عزلهم ومحاكمتهم قبل ذكرى عيد العرش، بسبب تورطهم في خروقات جسيمة، بينهم رئيس جماعة بوسكورة الذي أصبح اسمه متداولاً ضمن هذه اللائحة بعد التوصّل بتقارير ثقيلة تدينه.
وقد أحال وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت عدداً من الملفات على القضاء الإداري للشروع في إجراءات العزل، وأحال ملفات أخرى على رئيس النيابة العامة لفتح تحقيقات جنائية، حيث ستُحال على محاكم جرائم الأموال بكل من فاس، الرباط، الدار البيضاء ومراكش، لمتابعة رؤساء بتهم ثقيلة أبرزها:
• تبديد واختلاس أموال عمومية.
• إبرام صفقات مشبوهة.
• تسليم وثائق غير قانونية.
• خرق قوانين التعمير والجبايات.
الشارع المحلي ببوسكورة يترقب والعزل بات وشيكاً
تسارعت الأحداث في جماعة بوسكورة بشكل غير مسبوق، ما جعل الساكنة المحلية تعيش حالة من الترقب الممزوج بالأمل، في انتظار صدور قرار رسمي بعزل الرئيس وباقي المتورطين، خصوصاً بعد أن أصبح ملف الجماعة موضوع متابعة مباشرة من وزارة الداخلية ومصالح النيابة العامة.
وفي هذا السياق، صار من الضروري على النواب الذين تم سحب تفويضاتهم أو تخلوا عنها، أن يعيدوا سيارات المصلحة إلى حضيرة الجماعة، تفادياً لهدر المال العام واستغلال ممتلكات الدولة بدون سند قانوني، ما داموا لم يعودوا يمارسون أية مهام رسمية.
هل تنجح الدولة في تحرير بوسكورة من قبضة لوبيات الفساد؟
في ظل كل هذه المعطيات والتطورات المتسارعة، يبقى السؤال المطروح بقوة: هل ستتمكن الدولة من تحرير جماعة بوسكورة من قبضة لوبيات التسيير العشوائي والريع السياسي؟ وهل سيتم تنزيل العزل والمتابعة القضائية فعلياً في حق من ثبت تورطهم، دون استثناء أو حماية؟
الأيام القليلة القادمة كفيلة بالكشف عن حجم الجدية في تطبيق مبدأ المحاسبة، وإعادة الثقة للمواطن في المؤسسات المنتخبة.