بالخُشيْبات وبدون استعلاء إبستمولوجي معرفي ومن خلال الممارسة العمليّة لا النظريّة فقط، إليكم مفهوم الشرطة الإداريّة: التجسيد الواقعي عبر أمثلة

شأنكم تيفي منكم و اليكم بكل ما هو مفيد24 أغسطس 2025Last Update : 4 أسابيع ago
شأنكم تيفي منكم و اليكم بكل ما هو مفيد
رأي خاص
بالخُشيْبات وبدون استعلاء إبستمولوجي معرفي ومن خلال الممارسة العمليّة لا النظريّة فقط، إليكم مفهوم الشرطة الإداريّة: التجسيد الواقعي عبر أمثلة

بالخُشيْبات وبدون استعلاء إبستمولوجي معرفي ومن خلال الممارسة العمليّة لا النظريّة فقط، إليكم مفهوم الشرطة الإداريّة: التجسيد الواقعي عبر أمثلة

جريدة  شأنكم تيفي  * 💎الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّهِ💎

تُعد الشرطة الإداريّة مفهومًا قانونيًا ثلاثي الأبعاد، يرتكز على المنع والإذن والأمر. وهي تشمل مجموعة الأنشطة والتدابير المرفقية التي تتخذها السلطة التنفيذية؛ سواء ممثل الإدارة المفوض صراحة أو رئيس مجلس جماعة ترابيّة؛ بهدف تحقيق الأمن والصحة والسكينة العامة وضمان تنفيذ القوانين التنظيميّة والتشريعيّة.
ما يميز هذه السلطة هو طبيعتها الوقائية؛ فهي تسعى إلى منع المخالفات قبل وقوعها. ومن أبرز تجليات هذا الدور الوقائي وضع علامات التشوير الأفقي والعمودي على الطرقات، لتجنب الحوادث قبل حدوثها.
* أولًا: علامة “قف” كمثال لتطبيق الشرطة الإدارية
تمثل علامة “قف” تجسيدًا عمليًا لمفهوم المنع والإذن والأمر:
– المنع يتجسد في إجبار السيارات على التوقف عند التقاطعات.
– الإذن يظهر عند السماح بالمرور إذا خلت الطريق من المخاطر.
– الأمر يبرز في تنظيم حركة المرور بما يحقق حفظ الأمن والسلامة العامة.
هذا المثال اليومي يوضح كيف تتحول النظرية القانونيّة إلى تدبير إداري ملموس، يربط بين القانون والسلوك الاجتماعي، ويبرز الدور الوقائي للسلطة التنفيذية قبل وقوع المخالفات.
* ثانيًا: منح أو منع رخص البناء
نفس المنطق في مجال منح أو منع رخص البناء، حيث:
– المنع يظهر عند رفض رخصة البناء التي قد تهدد الأمن أو الصحة العامة أو تخرق التخطيط العمراني.
– الإذن يتمثل في الموافقة على منح الرخص وفق الشروط القانونية والتنظيمية.
– الأمر يتجلى في فرض إجراءات الالتزام بالمعايير القانونية أثناء عملية البناء لضمان السكينة العامة وحماية المصلحة العامة.
* ثالثًا: تنظيم التجمهر والمظاهرات
– المنع: منع التجمهر أو المظاهرات في أماكن خطرة أو غير مصرح بها حفاظًا على الأمن العام.
– الإذن: السماح بإقامة مظاهرة بعد استيفاء الشروط القانونية، مثل الحصول على تصريح مسبق.
– الأمر: فرض تعليمات تنظيمية أثناء المظاهرة، مثل تحديد المسار أو توقيت الفعالية لضمان السلامة.
* رابعًا: حماية الصحة العامة
– المنع: منع بيع مواد غذائية فاسدة أو غير مطابقة للمواصفات الصحية.
– الإذن: السماح للمطاعم أو المحلات التجارية بمزاولة النشاط بعد التأكد من استيفاء المعايير الصحية.
– الأمر: إلزام المطاعم باتباع إجراءات النظافة مثل درجة الحرارة، تخزين المواد، أو التخلص من النفايات.
* خامسًا: سلامة الأماكن العامة والمرافق
– المنع: منع إقامة الأنشطة أو المرافق في مناطق غير مؤهلة أو خطرة (مثلاً بناء منشآت في مناطق سيول).
– الإذن: منح ترخيص لإقامة سوق أو ملعب بعد التأكد من مطابقة الشروط البيئية والسلامة.
– الأمر: فرض إجراءات تشغيلية مثل تنظيم دخول الجماهير، تحديد الطاقة الاستيعابية، أو وضع لافتات إرشادية للسلامة.
* سادسًا: الأنشطة الاقتصادية والتجارية: من خلال إعلان عن منافع ومضار:
‏Commode: يعني “ملائم” أو “مناسب” (activité commode = نشاط ملائم للسكينة والصحة العامة).
‏Incommode: يعني “غير ملائم” أو “مزعج” (activité incommode = نشاط يسبب إزعاجًا أو يضر بالسكينة العامة).
‏Insalubre: يعني “غير صحي” أو “ضار بالصحة” (activité insalubre = نشاط يهدد الصحة العامة، مثل التلوث أو بيع أغذية فاسدة).
في الفقه الإداري الفرنسي يُصنَّف كثيرًا ما يُعرف بـ:
‏ • Activités commodes: الأنشطة العادية التي لا تُشكّل خطرًا على النظام العام.
‏ • Activités incommodes: الأنشطة التي قد تُحدث إزعاجًا (كالضجيج أو التلوث الخفيف).
‏ • Activités insalubres: الأنشطة الخطرة على الصحة العامة (كمصانع المواد السامة أو أماكن النفايات).
– المنع: منع افتتاح محلات في مواقع مخالفة للقانون (مثل محلات بيع مواد خطرة بجوار المدارس).
– الإذن: منح التراخيص بعد التأكد من الالتزام بالقوانين التنظيميّة.
– الأمر: إصدار تعليمات إلزامية، مثل تحديد ساعات العمل أو الالتزام بمعايير السلامة المهنية.
* سابعًا: حماية البيئة
– المنع: منع الرعي الجائر أو قطع الأشجار في مناطق محمية.
– الإذن: الترخيص بأنشطة بيئيّة محددة بعد تقييم الأثر البيئي.
– الأمر: فرض شروط محددة لاستغلال الموارد الطبيعية دون الإضرار بالنظام البيئي.
* خلاصة عامة تركيبيّة؛
مفهوم الشرطة الإدارية ليس مجرد ممارسة إجرائية معزولة، بل هو بنية وقائية مركبة ترتكز على ثلاثية المنع والإذن والأمر، وتُترجم إلى تدابير عملية تنعكس مباشرة في تفاصيل الحياة اليومية. فمن علامة “قف” التي تنظّم حركة المرور، إلى رخص البناء التي تضبط العمران، مرورًا بتنظيم المظاهرات، حماية الصحة العامة، تأمين المرافق، ضبط الأنشطة الاقتصادية، وصولًا إلى صيانة البيئة؛ كلها أمثلة تؤكد أن الشرطة الإدارية تُمثل الوجه الملموس للقانون الإداري في علاقته بالنظام العام.
غير أن هذه التدابير لا تقتصر على الإجراءات التقنية، بل تكشف عن جدلية عميقة بين الحرية الفردية ومتطلبات الأمن الجماعي؛ فكل منع يحمل في طياته تقييدًا، وكل إذن يفترض ضوابط، وكل أمر يترجم سلطة وقائية. وهنا يبرز السؤال المؤسس: هل الشرطة الإدارية مجرد أداة لضبط الفوضى الاجتماعية، أم أنها آلية توازن بين الحرية والنظام، بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة؟
بهذا المعنى، تصبح الشرطة الإدارية مختبرًا حيًّا للنظرية القانونية، حيث تتحول المفاهيم المجردة إلى قرارات ملموسة، تربط النصوص بالتطبيق، وتختبر حدود السلطة التنفيذية في ممارستها لمسؤولية الوقاية قبل العقاب. إنها إذن، ليست فقط ممارسة تنظيميّة، بل مفهوم جدلي يُعيد تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع، بين القانون والحياة اليوميّة.

خبار عاجل

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...لمعرفة المزيد

موافق