أصدرت رئاسة النيابة العامة دورية موجهة إلى الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية دعتهم فيها إلى التعامل الصارم والحازم مع مختلف مظاهر الاعتداء التي تطال الموظفين القائمين على إنفاذ القانون أثناء تأدية مهامهم أو بسببها. وأكدت الدورية أن فئات الموظفين العموميين المكلفين بإنفاذ القوانين تضطلع بمهام بالغة الأهمية في حماية الأفراد وضمان أمنهم واستقرار المجتمع من خلال فرض تطبيق القانون والسهر على احترام مقتضياته
وشددت الدورية على أن هذه الأهمية التي تحيط بعمل القائمين على إنفاذ القانون يقابلها حرص تشريعي على ضمان احترام الحقوق والحريات من خلال تطويق مهام هؤلاء الموظفين بمجموعة من الالتزامات القانونية وذلك في إطار التوازن بين ما يفرض عليهم من واجبات وما يتمتعون به من حقوق أثناء مزاولتهم لمهامهم أو بمناسبتها. وقد أولى المشرع المغربي أهمية خاصة لهذا التوازن من خلال إقرار مجموعة من المقتضيات الزجرية التي تعاقب على الأفعال الماسة بهيبة الموظفين العموميين بصفة عامة وعلى رأسهم المكلفون بإنفاذ القانون حيث تجرم الفصول من 263 إلى 267 من القانون الجنائي المغربي أفعال الإهانة والعنف المرتكبة في حق هذه الفئة وتشمل هذه الحماية القضائية والشرطة القضائية ورجال القوة العمومية بمختلف أصنافهم وانتماءاتهم الوظيفية
وأكدت رئاسة النيابة العامة في دوريتها أن حماية الموظفين وخاصة القائمين على إنفاذ القوانين تندرج ضمن أولويات السياسة الجنائية الوطنية وذلك كما جاء في منشورها رقم 1 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 2017 والذي دعا إلى التعامل الحازم مع الاعتداءات التي يتعرض لها الموظفون خلال أدائهم لمهامهم أو بسببها معتبرة أن أي اعتداء عليهم يمثل مساسا بهيبة الدولة ومؤسساتها. وأشارت إلى أن هذه الحماية شكلت محور اهتمام دائم منذ بداية ممارسة الرئاسة لاختصاصاتها القانونية إذ تم تخصيص حيز خاص بها في التقارير السنوية المتعلقة بسير النيابة العامة وتنفيذ السياسة الجنائية. وقد أظهرت المعطيات الإحصائية ارتفاعا ملحوظا في عدد الاعتداءات المسجلة ضد الموظفين العموميين حيث انتقلت من 3549 حالة سنة 2018 إلى 6888 قضية خلال سنة 2024 والتي توبع في إطارها 8201 شخصا
وأبرزت الدورية أن هذا الارتفاع يعكس من جهة المخاطر التي تحيط بعمل موظفي الدولة خصوصا القائمين على إنفاذ القانون أثناء تأديتهم لمهامهم كما يضع من جهة أخرى على عاتق قضاة النيابة العامة مسؤولية تفعيل الصلاحيات القانونية الموكولة إليهم عند علمهم بوقوع اعتداءات ضد هذه الفئة. وفي هذا السياق دعت الدورية إلى الاستمرار في تنفيذ التعليمات السابقة المتعلقة بالموضوع خاصة تلك الواردة في منشور 2017 بالإضافة إلى ضرورة التصدي الحازم لمظاهر الاعتداء كافة عبر فتح أبحاث قضائية متكاملة تشمل الاستماع للضحايا والمشتبه فيهم والشهود إن وجدوا
كما شددت رئاسة النيابة العامة على ضرورة تحديد التكييف القانوني الدقيق للأفعال المرتكبة مع التحقق من توفر ظروف التشديد التي نص عليها القانون وملاءمة القرارات القانونية المتخذة مع طبيعة وملابسات كل قضية لا سيما في حالات تتعلق بالسكر أو استعمال المؤثرات العقلية أو استخدام السلاح أو حجم الأضرار الناتجة عن الاعتداء. ودعت أيضا إلى إدراج حالة العود ضمن المتابعات القضائية كلما توفرت شروطها القانونية
وأكدت على أهمية تقديم الملتمسات والمرافعات أمام هيئات الحكم بطريقة تبرز خطورة الاعتداءات المرتكبة والأضرار المترتبة عنها مع الدعوة إلى عرض المقاطع المصورة أو الصور المتوفرة في حال توثيق الاعتداءات كما طلبت ممارسة الطعون القانونية المناسبة في حال عدم تناسب العقوبات الصادرة مع خطورة الجرائم المرتكبة وصياغة تقارير استئنافية أو مذكرات للنقض بشكل دقيق يعزز فرص مراجعة الأحكام المطعون فيها
ومن جهة أخرى شددت رئاسة النيابة العامة على ضرورة إشعارها الفوري بكل الاعتداءات الخطيرة التي تستهدف الموظفين العموميين أو التي تسترعي اهتمام الرأي العام سواء عبر المحاضر والتقارير الرسمية أو من خلال ما يتم رصده ميدانيا على مستوى الدوائر القضائية المعنية
وختمت الدورية بتأكيد الأهمية البالغة التي تكتسيها هذه التوجيهات ودعت القضاة إلى التقيد بها وتفعيلها بما هو معهود فيهم من حزم وجدية وذلك من أجل تعزيز الحماية القانونية للموظفين العموميين عموما والقائمين على إنفاذ القانون على وجه الخصوص بما يكرس احترام سيادة القانون ويضمن خضوع الجميع لأحكامه مع دعوة قضاة النيابة العامة إلى الرجوع إلى رئاسة النيابة العامة في حال ظهور أي صعوبات أو إشكالات أثناء تنفيذ هذه التوجيهات
