تشير التطورات الأخيرة في سوق الطاقة العالمية إلى تحول استراتيجي واضح في توجهات الاتحاد الأوروبي، يتمثل في زيادة الاعتماد على الإمدادات الأمريكية من الغاز والنفط على حساب الموردين التقليديين، وفي مقدمتهم الجزائر.
هذا التحول برز بشكل جلي بعد توقيع اتفاق تجاري ضخم بين بروكسل وواشنطن، التزمت بموجبه الدول الأوروبية بشراء ما قيمته 750 مليار دولار من المحروقات والطاقة النووية الأمريكية خلال ثلاث سنوات، أي نحو 250 مليار دولار سنويا.
هذه الكميات الهائلة تكفي لاحتلال الولايات المتحدة حصة لا تقل عن ثلث السوق الأوروبية، ما يعني تضييق المساحة أمام الجزائر التي تشكل صادراتها الطاقية أحد أعمدة اقتصادها.
وتؤكد الأرقام الحالية هذا المسار، ففي سنة 2024، استحوذت الولايات المتحدة على 38.1% من سوق الغاز الطبيعي المسال في أوروبا مقابل 11% فقط للجزائر، كما بلغت حصتها في سوق غاز البترول المسال 44.9% مقابل 12.5% للجزائر، وفي النفط الخام 14.9% مقابل 3.1% فقط للجزائر، استمرار هذا الاتجاه يعني أن الفجوة مرشحة للاتساع خلال السنوات المقبلة.
ولعل أسباب الانجذاب الأوروبي نحو الغاز الأمريكي متعددة، أبرزها الرغبة في تنويع مصادر الإمداد بعد أزمة الطاقة التي فجرتها الحرب في أوكرانيا، إضافة إلى العروض التنافسية الأمريكية والالتزامات الضخمة التي رافقت الاتفاق التجاري الأخير.
في المقابل، تواجه الجزائر تحديات مرتبطة بجاذبية بيئة الاستثمار، وغياب اتفاقيات طويلة الأمد كافية لتحصين حصتها في السوق الأوروبية.
ولن تقف تداعيات هذا التحول عند حدود الحصة السوقية، بل قد تمتد لتؤثر على أسعار الطاقة عالميا، فإذا نجحت الإمدادات الأمريكية الإضافية في الضغط على الأسعار، فإن مداخيل الجزائر من العملة الصعبة ستتأثر بشكل مباشر، مما سيزيد من الضغط على الميزانية الوطنية، خاصة في ظل اعتمادها الكبير على عائدات المحروقات.